التشريع الرياضي المغربي : تشريح ملامح المقتضيات و مقترحات التعديل و الإصلاح القانوني
أ.المصطفى الهيبة (إطار بقطاع الرياضة . باحث في قضايا الشأن المدني و الرياضي)

أ*قراءة عامة :
تعتبر الدولة ممارسة الرياضة من المرافق العامة التي يندرج تنظيمها و تدبيرها ضمن مهامها و التزاماتها السياسية و الاجتماعية ، و لا يخلو هذا المنظور من حقيقة ،و لكنه لا يغطي إلا نسبة من الحقيقة ، لأن ممارسة الرياضة تبقى صلاحية فردية و حقا شخصيا لا يعني الدولة إلا تداخل مع المصلحة العامة أو مس بالنظام ، و هذا لا يغير طبيعته إذ يقتصر على تبرير تدخل الدولة في حدود حماية النظام العام دون أن يتحول هذا النظام إلى ذريعة للوصاية على الحق الشخصي . و ازداد موقف الدولة ابتعادا عن الصواب حين طبعت تدخلها بالهاجس الأمني منذ البداية في عهد الحماية حيث كان الإطار العسكري قد أجاز تأويل ما كان مفروضا على المغاربة في هذا الشأن على وجه حماية النظام كما تفهمه سلطات الحماية .
و لم يصدر تشريع متكامل في جوهر موضوع الرياضة يجمع بين الإطار الشكلي و المحتوى المادي للرياضة إلا سنة 1989 بواسطة القانون 87.06 الذي ألغي بقانون 09.30 و مرسومه التطبيقي 628.10.2 المنظم حاليا للنشاط الرياضي و المعرض بدوره للتغيير بعد التطورات الدستورية و الأحداث الأخيرة ، و اتفاقية اليونيسكو ضد المنشطات ، و القانون رقم 09.09 المتعلق بعنف الملاعب و المدمج بالمادة 308 من القانون الجنائي .
و تم تتويج المسار التشريعي في فجر القرن الواحد و العشرين على مستوى دستور 2011 بإدراج الممارسة الرياضية في باب حقوق الإنسان تحت عنوان الحريات و الحقوق الأساسية ، حيث نص الفصل 26 على أن السلطات العمومية تدعم النهوض بالرياضة بالوسائل الملائمة ، و قرر الفصل 33 أنه على السلطات العمومية تيسير ولوج الشباب للرياضة . و مما لا شك فيه أن النصين متكاملين لأن ولوج الشباب للرياضة اول شرط لممارستها و من أهم العوامل للنهوض بها .
ولا شك أن النص الدستوري يتسم بطبيعة سياسية تحدد تعاقد الدولة مع المواطنين حيث تحدد التزاماتها إلى جانب حقوق و حريات المواطنين . و بالفعل يوحي النص الدستوري بأن الرياضة مرفق عام ، يتعين على الدولة أن تنهض به و تيسر ولوج الشباب إليه . و ينطوي الشق الثاني على اعتراف ضمني بالطبيعة الخاصة الشخصية لحق المواطنين في ممارسة الأنشطة الرياضية انسجاما مع إدراجه في باب حقوق الإنسان تحت عنوان الحريات و الحقوق الأساسية ، بالتالي أصبح من المفروض أن يميز التشريع بوضوح نظام و نطاق المرفق العام الذي يدخل تحت وصاية الدولة ، و حدود ممارسة حق و حرية الرياضة من طرف المواطنين . و لعل هذه الملاحظة كافية لتبرير مراجعة القانون الحالي بشكل عميق من أجل تخليصه من مظاهر الغموض الذي يطبع الخطاب السياسي و من جوانب الوصاية الإدارية التي ترهق الشق المتعلق بالحرية الخاصة و تفتح الباب لخلطه بتدخل الدولة خارج نطاق الملاءمة .
ب*ملامح وأفاق الإصلاح :
نقصد بالملامح و الآفاق التي نأمل تحقيقها في إطار المراجعة المتوقعة للتشريع الحالي ، و التي نقسمها إلى مقترحات عامة تمس مجمل منظور هذا التشريع ، و مقترحات محددة تنصب على مسائل معينة من مضمونه .
1*مقترحات عامة :
أمام الضغوط و المعطيات التي سبق ذكرها ،لا يمكن أن يكون القانون المنظم للنشاط الرياضي إلا مركبا و معقدا بمعنى أنه يستحيل تصوره كتشريع مغلق يدخل في القانون الخاص أو في القانون العام و لا يتشبع بالقيم و المعطيات الإقتصادية و الإجتماعية و الحضارية ، ذلك أنه لا يمكن أن يرمي من زاوية القانون العام إلا إلى تنظيم صلاحيات الدولة المنصبة على تنظيم و تدقيق صلاحياتها على صعيد الوصاية الإدارية الموكولة لها على المرافق العامة ، حماية للنظام العام و حقوق المواطنين ، و لا يمكن أن يهدف من زاوية القانون الخاص إلا إلى تنظيم نشاط حر فردي و جماعي يتداخل مع مرفق عام ، ولكنه يرتكز على الحريات العامة و الحقوق الأساسية للإنسان على مستوى تنمية الجسم و العقل ، وكذا على الحقوق الإقتصادية و الإجتماعية للمواطن في حالة الممارسة الجماعية للرياضة داخل الجمعيات الخاصة و المؤسسات العمومية و الشركات التجارية .
و يهدف القانون الجاري به العمل من زاوية القانون الخاص التقليدي أي المكون للشريعة العامة إلى تحديد و ضمان و حماية حقوق الأفراد في الشغل و التأمين و ممارسة التجارة بصفة فردية و جماعية في ظل المعطيات التي يسمح بها القانون . و بالفعل جاء هذا القانون على هذه الصورة ، متشبعا في شكله بهذه المعطيات و لكن يجب الاعتراف بأنه لم يستطع في صياغته الدقيقة أن يحقق التوازن الكافي بين إكراهات القانون العام و إكراهات القانون الخاص . ولم يتمكن من ضبط الأحكام و التصورات بدون اختلالات متعددة للعديد من مقتضياته إما لابتعادها الواضح عن الواقع أو لقصورها في الوصول إلى تحديد نظام حمائي سليم و متكامل للرياضيين ضمن سائر الفاعلين في ميدان الرياضة .
ورغم التقنين و التكريس الدستوري المشار إليهما سابقا بقي المنظور القانوني و الدستوري يتميز بغياب أي تعريف و بالإقتصار على التعبير المجمل في عبارة " التربية البدنية و الرياضة " و لا يشتمل على تفرقة أو تمييز بينهما رغم أنه خصص الباب التمهيدي لتعريف المصطلحات ، حيث لا يزيد تعريف الأنشطة البدنية و الرياضية شيئا و يقتصر على تعريف الماء بالماء . بالتالي فهو يوحي باقتصاره على تكريس الممارسة الواقعية التي تشتمل على تطبيقات جميلة و معقولة و على أخرى و هي أقرب إلى النشاز . كما يتسم بالتشبع بروح سياسية و اجتماعية واضحة في الربط مع الديموقراطية و المواطنة ، و الإبتعاد عن الإستعمالات السلبية من غسل الدماغ و التوظيف الإيديولوجي و العنف ، و لكنه لا يشمل على أحكام و مقتضيات مناسبة لتفعيل الروح التي يعلن عنها ببلاغة أو فصاحة هي أقرب للخطاب الجماهيري منها إلى التقنين . و من زاوية الحقوق الإقتصادية و الإجتماعية لا يمنع القانون الحالي من تكريس الهواية و الإحتراف و الترويج الإقتصادي و السياسي و لكنه لم ينجح في بلورة شروط ملائمة لذلك ، ويوحي بأنه يغفل التعامل في مناخ تهدده الفوضى و الفساد المالي من الداخل و زعزعة الأمن و الإستقرار من الخارج .
و دائما على مستوى المنظور ، يجب الإعتراف أيضا بظهور نوع من التفوق الدستوري على قانون الرياضة مما يستدعي مراجعة هذا الأخير نسبيا لتحقيق تناغمه الكامل مع منظور الدستور لحقوق الإنسان و الحريات العامة بالمفهوم العالمي ، و هو ما يتطلب قبل كل شيء إعادة النظر في اختصاصات الدولة من منظور الوصاية بشكل يوسع صلاحيات و إمكانيات الممارسة الرياضية الحرة منها الإحترافية و غيرها ، مع ضبط شروط التمييز بين الإحتراف و الهواية ، و شروط الإنتقال الفعلي من الهواية إلى الإحتراف ، و بصفة عامة بيان تحسين مظاهر النهوض بالرياضة المنصوص عليه في الدستور.
و إضافة إلى التشدد في المسؤولية و المراقبة الذي يعتمده يبقى على المشرع نهج ذلك أيضا وقبل كل شيء تكملته في إطار النوظمة أو النظامة ، و الحوكمة أو الحكامة الجيدة على الأصعدة التقنية و المالية و الأخلاقية ،حتى يتسم ذلك التشدد باحترام جميع الشروط المبررة له . ذلك أنه لا معنى لوضع قواعد متشددة في غياب شروط تطبيقها بشكل عادل أي بالتأكد من توفير الاحتياط اللازم الذي تجسده قواعد الحكامة و أجهزة النظامة المختصة بتتبعها و السهر على احترامها .
و ركز التنظيم القانوني من زاوية المقتضيات المحددة على ممارسة و تيسير النشاط الرياضي الفردي و الجماعي انطلاقا من التكوين و التعليم بكل المستويات إلى التنافس و التباري ، إلى جانب المأسسة في الجمعيات و الجامعات و الشركات و الاتحادات و الفيدراليات الدولية و الوطنية و اللجنة الوطنية الأولمبية المغربية و اللجنة الوطنية الباراأولمبية المغربية .على هذا المستوى و سيرا على نهج التمييز بين المرفق العام و الحرية الشخصية ، يستحسن التمييز بين الجمعيات المغلقة و المفتوحة .
الأولى تحصر نشاطها بين أعضائها و في مقراتها و في محلاتها و بوسائلها الخاصة . و لا تضفي عليه علانية أو عرض مفتوحا على أنظار العموم . فهي تمارسه لإشباع رغبة داخلية لأعضائها لا علاقة لها بإشراك المواطنين المتفرجين و البحث عن ألقاب أو نجومية . لا يعقل و لا يمكن إدراج مثل هاته الجمعيات في إطار نطاق المرفق العام و الوصاية الإدارية ، لأن نطاق عملها و نشاطها لا يمس و لا يعني المجال العام أو العمومي . بناءا عليه يكفي إخضاعها للشريعة العامة التي تحكم الجمعيات و بعض المقتضيات الضرورية لاحترام خصوصية استعمال الجسم البشري و شروط الصحة و السلامة .
و من البديهي أن تخضع الجمعيات المفتوحة إلى المقتضيات التي يفرضها تنظيم المرفق العام و الوصاية الإدارية في العلاقة مع المجال العمومي ، و تخضع كذلك لقواعد و أحكام القانون الخاص في كل ما يتعلق بالعقود الشغلية و المدنية و التجارية التي تبرمها مع الرياضيين و غيرهم من شركائها . و في هذا النطاق يصير من الضروري التخلي عن التمييز التقليدي بين الجمعيات و الشركات التجارية لما أصبح يطبعه من نفاق و تحايل على القانون و المباديء السامية . لا أحد ينكر اليوم وجود جمعيات لها غرض اقتصادي و تهدف إلى الربح إلى جانب الجمعيات الثقافية و الفنية و الرياضية الصرفة .
و يتعين التوضيح بأن المقصود من الربح هو نية الحصول عليه و توزيعه بين أعضاء الجمعية و لا يدخل في تحقيق الربح بغاية توظيفه لمصلحة الرياضة أي لفائدة رسالة مختلفة عن المصلحة المادية .كما لا يدخل في تحقيق الربح بشكل عرضي لا يتأسس على نية سابقة ، و بالطبع لا يجوز توزيع هذا المدخول بين الأعضاء تحت طائلة الإعتداء على أموال الجمعية الرياضية . بالتالي يمكن القول الآن بأن كل مدخول أو دخل يكون ربحا تجاريا و يتعين رفع اللبس و التعقيد القانوني الحالي الذي يحاول الربط بين الجمعيات و الشركات التجارية ، فلقد صار هذا الربط الغامض متجاوزا و يتعين تعويضه بتصور واضح يجمع بين الجمعيات التقليدية و الجمعيات الهادفة إلى الربح و الشركات التجارية ، أي مؤسسات تخضع كل فئة منها إلى نظام قانوني محدد.
لا بد من القول في هذا الموضوع بأن الخلط و الغموض المشار إليهما يسيطران على العقول بسبب التسرع في قراءة القانون و تأويله . و لا شك بأن هذا الفهم ينتج عن ارتباك القانون و اقتضاب مقتضياته في تحديد و توضيح معنى الشركات التي يعنيها . فهو بالفعل يعني الشركات المسيرة للأنشطة الرياضية المكونة لغرض الجمعيات الرياضية ، ولا يقصد الشركات التي تتخذ من الممارسة التجارية للرياضة غرضا لها . كان من المفيد جدا التمييز الصريح بين هذين النوعين من الشركات لتجنب الخلط ، و سكوت القانون عن النوع الثاني من الشركات لا يعني جهلها من القانون . فهي تندرج في ميدان الشركات التجارية التي يكون غرضها محددا في تنظيم الفرجة كنشاط من الأنشطة التجارية التي ينص عليها القانون التجاري صراحة ، و كأي غرض يجوز لشركة مساهمة أو ذات مسؤولية محدودة أن تتخذ منه محلا لتجارتها ، علما أو تذكيرا بأن هذه الشركات لها صفة تجارية بمجرد شكلها و بقوة القانون و لا تحتاج للتوفر على الصفة التجارية أن يكون غرضها نشاطا تجاريا بطبيعته منصوصا عليه في القانون التجاري .
و من منظور الفرجة يمكن الذهاب إلى أبعد من هذا لأن قانون التجارة ينص على تنظيم الفرجة بصفة مجردة كنشاط تجاري سواء حصل من شخص طبيعي أي فرد أو حصل من طرف شركة ، و تبعا لهذه الملاحظة يجوز القول بأن تنظيم الفرجة الرياضية بشكل اعتيادي أو احترافي من طرف أي شخص أو من طرف أي رياضي يخرج عن ميدان ممارسة الحريات العامة و يدخل في نطاق القانون التجاري ، على غرار تنظيم الفرجة المسرحية و السينمائية و الغنائية إلخ ....فالرياضة في حد ذاتها نشاط مدني ، ولكن تنظيم الفرجة عليها يعتبر نشاطا تجاريا .
و يبقى من المعقول إيلاء مراقبة الممارسة بشكل مكثف ، دوري و مستمر ، و ردع التجاوز و الإجرام عناية خاصة من خلال مهام الإدارة و الدولة . و تكون الغاية من المراقبة الإدارية التأكد من احترام الشروط القانونية من جهة و الوقاية من انزلاق الممارسة إلى اقتراف المخالفات الفنية لتقنيات و قواعد الرياضة ، و ارتكاب الجرائم أي الأفعال المضرة بنظام المجتمع المحددة بالقانون الجنائي العام أو بقانون جنائي خاص ، بمناسبة تظاهرة رياضية . كما يجب أن يبقى التجريم التقني أو الفني محصورا فيما يدخل في صلب الرياضة و النظام التأديبي المتعلق بها ، لأن الأغلبية الساحقة من المخالفات و الجرائم الأخرى منصوص عليها في النظام الإداري أو الشريعة الجنائية العامة و لا داعي لإثقال قانون الرياضة بها .
و من جميل ما يجب الاعتراف به أن القانون نص صراحة على وجوب احترام المناصفة في توزيع مهام الإدارة بالجمعيات الرياضية ب "المادة 9" و العصب الجهوية في "المادة 32" .ولكنه لم يقدم أي حل في حالة استحالة تحقيق تلك المناصفة ، كما لم يتضمن أي جزاء في حالة إهمالها رغم توفر المؤسسة على عدد من الأعضاء من الجنسين يسمح باحترامها .
و يمكن إجمال تصور القانون الحالي في مباديء مبنية على السياسة و المسؤولية و التشارك بين الدولة و الخواص و التمييز بين الهواية و الإحتراف ، لتحقيق غايات سامية من الممارسة الرياضية . و يتسم بالإشارة العرضية لما يحيط بها أو يتخللها من جوانب مالية بل و تجارية . و يشتمل إضافة إلى جانب ذلك على سبعة فصول مخصصة تباعا للرياضة المدرسية ، تنظيم هواية الرياضة ، دور الدولة و المقاولات العمومية و الخاصة ، الجزاءات و المقتضيات المختلفة ، و هي تقريبا ذات الموضوعات التي تعرض لها القانون رقم 87.06 الملغى ، كل ذلك في 118 مادة عوض 65 مادة في القانون السابق.
من حيث الجوهر ، تطبع القانون الحالي مستجدات بمثابة مباديء متعددة بالنسبة للقانون السابق تتجلى في وضع ديباجة و محاولة تعريف بعض المصطلحات الرياضية و القانونية ، و سن إجبارية التعليم الرياضي في المؤسسات التعليمية العامة حسب الوسائل المتاحة واعتماد دور العصب و تنظيمها ، و إقرار مؤسسة أولمبية مغربية ، و فرض إبرام العقود الرياضية ، و بيان صفة الرياضي المحترف ، وتحديد شروط الاستغلال التجاري لصور الرياضيين و الفرق الرياضية ،و تحديد شروط المراقبة الطبية ، و اعتماد محكمة الرياضة ، و توضيح مركز الوكلاء الرياضيين ، و إقرار حقوق الصحفيين و الإعلاميين ، و بيان الجرائم المرتكبة بمناسبة الرياضة و عقوباتها و البحث عنها و متابعتها . إجمالا ، حاول المشرع في هذا القانون أن يتعرض لأهم الجوانب التي يمكن تقنينها ، و لكن الظروف التي واكبته و التغيرات اللاحقة لتاريخ صدوره أسرعت بظهور حدوده.
فعلا ، لقد أدى هذا التطور الكبير للعالم و المغرب في الثلاثين سنة الأخيرة إلى تفاوت التشريع المغربي الراهن مع المستجدات الإجتماعية و الإقتصادية و السياسية و الثقافية و الحضارية و التقنية ايضا .و أصبح الموضوع الرياضي مشكلا ضخما على مكتب أصحاب القرار يتطلب مراجعة عميقة لتصور و تنظيم الرياضة المدرسية و الرياضة كهواية أو كممارسة لحق جسدي من حقوق الإنسان و الحريات العامة ، أو كقطاع اقتصادي يطبعه الإحتراف و الممارسة التجارية و البحث عن المردودية ، في ضوء المنظور الجديد الذي يقرره الدستور للنشاط الرياضي الجماعي ،داخل هيكلة تتمتع بالحرية و تتسم بالمنافسة المتعددة المظاهر ، و تخضع للمراقبة و المسؤولية التي بقيت لحد الآن بعيدة عن عين كل جهاز للنظامة و الحكامة إلى حد ما .
و صار لزاما على الدولة أن تعيد النظر في الاستثمار في البنيات التحتية و تمويل الأنشطة الرياضية و ضبط سياسة مراقبة محكمة للمال العام و تنظيم الممارسة الإحترافية و التجارية وفق المعايير الدولية السائدة الآن في تدبير الأموال و الموارد البشرية .
في هذا الإتجاه لا بد من مراجعة محكمة و دقيقة لمقتضيات المادة 15 إلى المادة 21 المخصصة للشركات التجارية . فهذه المواد تتسم بالارتباك و عدم الإنسجام مع التشريع المطبق على الشركات التجارية بما فيها الشركات المساهمة "قانون 95.17" و الجمعيات "قانون 1958" . لأن الفرق بينهما ليس في البحث عن الربح ، و لأن التحايل باعتبار الشركة مستقلة عن الجمعية رغم تبعيتها قانونيا ، لا يخفي احتمال تحول الشركة إلى متحكم في الجمعية . و لا يحمي من تسلل سلطة المال إلى مركز القرار بالجمعية و تحويلها عن غرضها القانوني و الأصلي الذي هو الرياضة .
من جهة أخرى ، نلاحظ غياب التناسق مع قانون الشركات لأن المقتضيات الخاصة المشار إليها بقانون الرياضة قد تخلق التأويل بمنع الشركات و التعاونيات في المجال الرياضي ، سواء من طرف الرياضيين وحدهم أو من طرف الغير بخصوص الشركات . و من شأن هذا الفهم أن ينشيء استثناءا ليس له أساس صريح و لا ضمني في قانون الشركات و لا قانون التعاونيات . و لا يمكن استنتاجه من المادة الأولى من قانون الرياضة و لا من مقتضياته المنصبة على الجمعيات . لذا و إبعادا لكل تأويل مجانب للصواب ولكل لبس يستحسن أن يشتمل القانون على أحكام واضحة و دقيقة في هاته المسألة .
و من هذه الزاوية ، فلا عبرة بكون القانون يفرض على شركة المساهمة المحدثة من طرف الجمعية أن تصادق الإدارة على أنظمتها الأساسية و أن تكون أسهمها كلها إسمية، و يلزم الجمعية بإحداث شركة واحدة أو أكثر في حالات معينة . و علاوة على ما سبق يلاحظ تهاون قانوني في تنظيم العلاقة الدقيقة المالية و الإدارية و التدبيرية بين الجمعية و الشركة و بين مجال و حدود مسؤولية كل منهما .
ومن منظور حماية المال العام ، يتعين أن يتوجه اهتمام المشرع إلى الإنزلاقات و الإنحرافات في إطار سياسة جنائية متكاملة هادفة إلى حماية السلامة الجسدية و الملكية الخاصة و العمومية ، و الحرية الفردية و الجماعية بتحسين تنظيم مختلف أوجه إعانات الدولة و المؤسسات العمومية من جهة و الإحتضان من جهة أخرى ، و من نافلة القول ان هذا المنظور يتطلب تمييزا واضحا بين ما هو ممارسة سليمة و قانونية للرياضة و ما هو تحريف للرياضة و ما هو إجرام بمناسبة الرياضة .
لقد تعرض القانون إلى الجرائم و المخالفات بمناسبة الرياضة و إلى العقوبات المطبقة عليها في 15 مادة من " المادة 94 الى المادة 108 " ، بدون تمييز بين المخالفات و الجزاءات التأديبية و المخالفات و الجزاءات الإدارية و الأفعال الجرمية و العقوبات الجنائية خلافا لما سار عليه في عدة ميادين . و يضاف إلى ذلك مقتضيات القانون الجنائي خاصة منها الجديدة المتعلقة بالعنف .
و يمكن أن نلاحظ بأن كل الجرائم المشار إليها لا تدخل في الرياضة أي في الحركات الرياضية ذاتها . و هذا تصور معقول لأن الرياضة تتناقض ماديا و فكريا و ثقافيا مع السلوك الإجرامي . لذا يمكن تصنيف الجرائم المنصوص عليها في قانون الرياضة إلى أفعال تمس بالنظام الإداري خاصة بحقوق الرياضي مثل غياب العقود الرياضية و التأمين و حرمان الصغار المسجلين من التعليم الرياضي و انتهاكات للالتزامات المترتبة عن الوصاية الإدارية مثل انعدام التصريح و الاعتماد و إهمال شروط الصحة و شروط تنظيم المنافسات و التظاهرات و أفعال تتسم فعلا بالطبيعة الجنائية لأنها تخرق الثقة العمومية مثل كل مظاهر انتحال الصفة و التزوير.
و فيما يتعلق بالعقوبات تطبق المواد المذكورة تدابير الحبس و الغرامة و إغلاق المؤسسة ، مع الإشارة إلى أن الحبس خاص بحالة واحدة في القانون و تبقى الإحتمالات واردة به في مدونة القانون الجنائي المحال عليها ب "المادة 102 ".
2*مقترحات بديلة :
لا شك أن هذا التوجه يتطلب دراسة علمية موسعة و معمقة للقانون و روافده ، تتوقف عند تقييمه من منظور نقل الرياضة من الهواية إلى الإحتراف ضمن إطار اقتصادي ملائم ينبني على ضمانات موضوعية و منسجمة مع السياسة الاقتصادية و الاجتماعية العامة ، و آخذة بعين الاعتبار لصعوبات الإنتقال من من الهواية إلى الإزدواجية بين الهواية و الإحتراف . كما يقتضي تحديد مضمون للمراكز القانونية للفاعلين من لاعبين و مكونين و مدربين و حكام ، و للهياكل التي ينخرطون فيها من جمعيات و عصب و غيرها ، تجارية و غير تجارية ،مع الخضوع لمراقبة تقنية و مالية و أخلاقية ، منظمة و مستمرة على غرار ما يعمل به اتجاه شركات التأمين ، تحت طائلة جزاءات ملائمة ضد المساس بنزاهة النشاط الرياضي في حد ذاته أو بحقوق الرياضيين و المواطنين والأمن العام بمناسبة ممارسته .
في هذا الإطار يجب أن يولي القانون عناية خاصة بالرياضي لأنه القطب الذي يرتكز عليه النشاط الرياضي ككل . و يبين بالضبط وضعه في المدرسة مميزا بالعلاقة بين التكوين الرياضي و التعليم العام آخذا بعين الإعتبار صعوبة الجمع و التنسيق بينهما . كما يتعين أن يركز على حياته المهنية سواء في إطار الشغل أو خارجه . في الإطار الأول نجلب الإنتباه إلى قصر العمر المهني بحيث لا بد من معالجة التقاعد بما يناسبه مع الإعداد لإدماج الرياضي في حياة عملية أخرى . و فيما يخص التغطية الصحية ، نذكر بأنها محكومة بطبيعة و خصوصية النشاط الرياضي الذي يعرض صاحبه إلى مخاطر و أمراض أخرى علاوة على حوادث السير و الأمراض المهنية المعنية بقانون الشغل ، بحيث يجب أن تناسب المقتضيات القانونية خصوصيتها.
في الإطار الثاني أي خارج قانون الشغل يحق للرياضي أن يستفيد من مقتضيات تشريعية تبين مركزه و حقوقه و التزاماته كعضو داخل الجمعية الرياضية علاوة على صفته كأجير لها عند اشتغاله معها . و بالنسبة للرياضيين الذين يصلون إلى قمة النجومية لا مانع من تمكينهم من تعاقد مع الجمعيات و الشركات مختلف من عقد الشغل ، يوضح بدقة أوجه الخدمات التي يلتزمون بها و عناصر الثمن و ليس الأجر ، و مساطر حل المنازعات ...
كما يرجى أن تهتم المقتضيات التفصيلية للقانون المرتقب بتوضيح و تفسير بعض المسائل مثل العقود التي يتم إبرامها بمناسبة الرياضة ، وأن لا تقتصر على عقود الشغل " المادتان 14 و 21 " ، و الإحتضان " المادتان 90 و 91 " ، و استغلال صور الرياضيين و الفرق الرياضية " المادتان 58 و 59 " ، و استغلال المنافسات و التظاهرات الرياضية " المواد 72 و ما بعدها " . فهناك عقود متعددة أخرى تستحق أن تأخذ مكان في هذا القانون مثل الإستشهار و التعاون و الإستشارة .
و تسري ذات الملاحظة على التأمين الذي تثير المقتضيات الحالية المتعلقة به ، خاصة "المادة 11" المقتضبة و المحدودة النطاق من القانون الحالي و التي تحيل عليها "المادتان 49 و 52" لكونها تقتصر على التمديد إلى الغير بدون أن تحدد المتسبب في الإضرار به هل من طرف الرياضيين أم من أشخاص آخرين أم من الحيوانات مثل كلاب الحراسة أم من الأشياء ، بصرف النظر عن مجال قانون الشغل و حوادث الشغل .
كما تتعين إعادة النظر في اعتماد تصور أشمل و أوضح لأحكام منح صفة الرياضي المحترف مع ترك أو فتح فرصة لظهور الرياضي المستقل عوض الإقتصار على الرياضي الخاضع لعقد الشغل أو منخرط في مؤسسة للهواة . من هذه الزاوية تبرز إمكانية اشتغال الرياضي لحسابه سواءا في عروض فردية ينظمها بنفسه أو في عروض فردية ينجزها بمناسبة حفل رياضي عمومي أو خاص . في هذه الحالات سواء كان عمله بمقابل أو بدون مقابل على وجه التطوع الإنساني أو الإجتماعي ، لا يمكن أن يعتبر أجيرا و لا هاويا منخرطا في إحدى الجمعيات أو المؤسسات و تتغير حقوقه و التزاماته تبعا لذلك .
و تفرض مراجعة "الفصل 6" بكامله ذاتها فيما يتعلق بدور الدولة و أشخاص القانون العام و القانون الخاص من أجل تنمية الحركة الرياضية ، في اتجاه النهوض بالرياضة كما يقرره الدستور و كما تفرضه السياسة الإقتصادية و الإجتماعية و التصورات الحالية للإحتضان و تطبيقات الإشهار مع تداخلها و التجارة السمعية البصرية ، و مفهوم الربح إلخ ....و تلك تساؤلات قائمة حاليا و لا تساعد على التطبيق السليم للقانون و على تحقيق الغايات المتوخاة من التشريع .
و من البديهي أن تثير هاته التصورات أسئلة جديدة متعددة لا بد من اخذها بعين الإعتبار و من الإجابة عليها او على الأقل وضع المباديء التي تسمح بذلك . فالجانب الإقتصادي يحتم تحديد الأسس القانونية للاستثمار في الرياضة من التكوين إلى الهياكل المنضوية تحت الجامعات في القطاعين العام و الخاص . و من نافلة القول أن الإستثمار يتطلب التأهيل القبلي لقطاع الرياضة على مستويين التقني و التنظيمي إلى جانب و ضع الآليات القانونية للتسويق وللاستفادة من الاستثمار و سن القواعد و الإجراءات الضرورية للإحتياط من انحراف غاية التمويل الوطني و الأجنبي و مساسه بالمصلحة الوطنية و بالتصورات الدستورية النبيلة للرياضة .
ويرجى أن يحدد كل انطلاقا من تنظيم تقني محكم للنشاط الرياضي و الحقوق المختلفة المرتبطة به ، مادية و غير مادية ، بما فيها الصورة التي يعكسها كل الفاعلين في الميدان . و لن تكون العناية بموضوعنا شاملة و متكاملة إلا بسن تشريع ضريبي منسجم مع المباديء و الغايات المؤطرة للممارسة الرياضية ، و بحماية قانونية حقيقية للممارسين بتمتيعهم بالضمان و التأمين الكافي ضد كل المخاطر مقابل المسؤولية التي يتحملونها .
و بعد كل هذا يصير من المعقول التوقف عند الظاهرة الإجرامية و مواجهتها بتدابير مناسبة . من هذا المنظور و تناغما مع التوجه الليبرالي للمغرب و لتقاليد التشريع به ، يستحسن التمييز بين ما هو جنائي و ما هو تأديبي . و لا يدرج بالمقتضيات الجنائية إلا ما ينتهك النظام المجتمعي مما يتعلق بالحياة و السلامة الجسدية و حماية الثقة العمومية أو الأمن العام إلخ ...فالجنائي يظل استثنائيا لما فيه من انعكاس سلبي خطير على الأشخاص . و يعامل كل تصرف مخل بما تفرضه الوصاية الإدارية كمخالفات إدارية تعاقب بأقسى التدابير كحل الجمعية أو إغلاق المؤسسات الرياضية وفقا للخطورة التي تنطوي عليها ، كما يتعين تفعيل و تحسين النظام التأديبي و ضبط علاقته بالنظامين الإداري و الجنائي .
و يمكن أن تتنوع الجرائم حسب تعلقها بالمساس بمفهوم الرياضة في حد ذاته كالصورية في اللعب و التباري و الغش بتناول المنشطات و التحايل في التحكيم ، أو باستغلال ممارسة فردية أو جماعية لنشاط رياضي باعتماد الرشوة و التعسف أو نهج العنف و التصرفات العنصرية . و من هذا المنظور فلا داعي لإثقال القانون الخاص بالرياضة بجرائم إما خاضعة حاليا للشريعة العامة للقانون الجنائي أو قابلة للإدراج بمقتضياتها ، أو تتطابق مع المخالفات الإدارية المعروفة بميادين أخرى .
و فيما يخص العقوبات الجنائية نحبذ حصر الحبس في الحالات الخطيرة و الإستثنائية ، و الإستمرا في العمل بالغرامة و تقويتها بالمصادرة و حل و تصفية الأشخاص المعنويين و توقيف أنشطتهم لمدد محددة و نشر الأحكام بالجرائد و المواقع الإلكترونية ، و العقوبات الإضافية و التكميلية و التدابير الوقائية الأمنية المقررة بالقانون الجنائي .
و يستحسن إغناء الجزاءات الإدارية بالمصادرة و الإنذار و التوبيخ و التوقيف لمدة محددة ونشر مقررات الإدارة بالجرائد و المواقع الإلكترونية .
و يبقى من المأمول أن تساهم هذه الملاحظات و المقترحات و الأحكام في ترقية النشاط الرياضي و تقنينه من الشوائب المحيطة به بما فيها فكره اعتباره إلهاءا للمواطنين عن مشاكلهم و مشاكل وطنهم .

التشريع الرياضي المغربي : تشريح ملامح المقتضيات و مقترحات التعديل و الإصلاح القانوني
أ.المصطفى الهيبة (إطار بقطاع الرياضة . باحث في قضايا الشأن المدني و الرياضي)
ملحوظة / المراجع محتفظ بها في الوثيقة الأصلية للمقال .


=== هذه الرسالة تلقائية ===

هذا هو أول موضوع لي في المنتدى . سوف تجد موضوع الترحيب الخاص بي هنا. الرجاء المشاركة في موضوع الترحيب الخاص بي
=== هذه الرسالة تلقائية ===