عرض النتائج 1 إلى 3 من 3

Hybrid View

المشاركة السابقة المشاركة السابقة   المشاركة التالية المشاركة التالية
  1. المدرسة و التربية على القيم و ترسيخ السلوك المدني

    المدرسة و التربية على القيم و ترسيخ السلوك المدني





    مقدمة: لقد أضحى تكوين المواطن المتحضر المعتز بهويته و المتسلح بفضائل التواصل و الحوار و التسامح ... أحد الرهانات و التحديات التي تواجهها المدرسة المغربية اليوم. فبعد أن كان هذا الرهان حكرا على مؤسسات الأسرة و الإعلام و جمعيات المجتمع المدني، أصبح اليوم يعتمد على المدرسة بوصفها مؤسسة اجتماعية لها دورها في تربية الناشئة على القيم و تنمية السلوك المدني و ترسيخ أساليب ممارسته كثقافة يومية.
    فما هي أهمية التربية على القيم و تكريس السلوك المدني داخل المدرسة ؟
    ـ و ما هي أهم الآليات التي تتوسل بها المدرسة لتؤدي هذه الوظيفة ؟
    ـ و أين تتجلى أهم صعوبات و تحديات تحقيق هذا الرهان ؟
    إذا كانت القيم ـ باعتبارها روافد للسلوك المدني ـ تشمل كافة مناحي الحياة العامة و تجد لها امتدادات في المجتمع، فإن أبعادها الأخلاقية و التربوية المتعلقة بالتنشئة الاجتماعية يقع في صميم عمل المدرسة، لكونها إحدى أبرز المؤسسات المعنية ببناء السلوك المدني لدى المتعلمين و المتعلمات و ترسيخ القيم الفاضلة في وجدانهم و سلوكاتهم، من خلال استحضار وظائفها المتعارف عليها و المتمثلة في التعليم و التعلم و التربية و التكوين و التأهيل.
    تمثل المدرسة إذن، الوسط الاجتماعي الثاني ـ بعد الأسرة ـ الذي تتشرب فيه الأجيال الصاعدة بالقيم المرتكزة على صيانة الثوابت الوطنية و تجسد تعدد روافد الهوية و ثراء الثقافة، و إذكاء الشعور بالانتماء للأمة الإسلامية، و تكريس الانفتاح الإيجابي على القيم الإنسانية و الكونية. و إذا لم تنجح المدرسة في بلوغ تلك الغايات، فإن المجتمع سيفقد خط الدفاع الثاني ضد كل أشكال التطرف و العنف و الاغتراب و الانسلاخ عن الهوية.
    إن المدرسة مطالبة اليوم بأن تتجاوز تلك الأدوار التقليدية المنوطة بها إلى أدوار أخرى تؤهلها لمواكبة حركية المجتمع، و بأن تكون مرآة متجددة لمجتمع يتغير و لمنظومة قيمية في تحول مستمر.

    و إذا سلمنا بدور المدرسة ـ باعتبارها مؤسسة للتنشئة الاجتماعية ـ في تربية الأطفال على القيم و ترسيخ السلوك المدني لديهم، فعبر أية آليات يمكنها القيام بذلك ؟
    جوابا على هذا السؤال، يمكن القول إن قيام المدرسة بهذه الوظيفة يتم عبر جملة من الآليات المترابطة والمتكاملة فيما بينها، و هي:

    1) آلية الخطاب: تعتبر المناهج و البرامج بمفهومها الشامل، و بمختلف مكوناتها، المضمون الرئيس للتربية و التكوين، و تشكل غايات و توجهات النظام التربوي و التي يتم تجسيدها في برامج و مضامين دراسية تحمل بين إرسالياتها تلك القيم.
    و من خلال استقراء مضامين بعض الكتب المدرسية، يمكن القول إجمالا بأن التربية على القيم و تكريس السلوك المدني حاضران بقوة في مقررات الكتب المدرسية، خصوصا في مواد كالتربية الإسلامية و الاجتماعيات و اللغة العربية، إذ نجد دروسا عديدة في هذه المواد تسعى إلى مقاربة مفاهيم كالتسامح و الكرامة و المساواة و الحريات العامة .... هادفة بذلك إلى الإسهام في تكوين مواطن مستقل و متوازن و عارف لذاته و لغته و دينه و تاريخ وطنه، و واع بما له من حقوق و ما عليه من واجبات.

    2) آلية القدوة: القائمة على حث المدرسين/المربين على تقديم القدوة الحسنة و المثال البيداغوجي الذي يجسد القيم المستهدفة، من خلال تصرفاتهم و سلوكاتهم و معاملاتهم مع المتعلمين.

    3) آلية الحياة المدرسية و الأنشطة المندمجة اللاصفية: و ذلك عن طريق تشجيع الأنشطة الموازية (الرياضية و الثقافية و الفنية و البيئية ...) باعتبارها مجالا خصبا لترسيخ الأخلاق النبيلة و تثبيت السلوكات الإيجابية.
    إن انخراط المتعلم (ة) في الفرق النشيطة و مشاركته في مختلف الأندية التربوية (الرياضي،البيئي،الثقافي ...) يجعله في وضعية تعلم مقرون بممارسة ثقافة القيم و السلوك المدني.

    4) آلية تعبئة المحيط الاجتماعي و المدني للمدرسة: فلن يكتمل تحقيق الأهداف المرتبطة بترسيخ القيم، إلا بإشراك الأسرة و منظمات المجتمع المدني، لا سيما منها النشيطة في ميدان التربية على المواطنة و حقوق الإنسان، بهدف استثمار خبرات هذه المنظمات في تنويع الأنشطة التربوية و الثقافية ...

    5) آلية تسيير المؤسسة التعليمية: بتقديم نماذج متميزة في المشاركة في تدبير مختلف مجالسها استنادا إلى ثقافة الديمقراطية و الشفافية و النزاهة ...

    و لسنا في حاجة هنا، إلى تأكيد أن الإفصاح عن النوايا الحسنة، سواء من خلال الخطابات الرسمية أو البرامج الدراسية، ليس كافيا لتكوين التلميذ / المواطن و تربيته على قيم المواطنة و غرس ثقافة السلوك المدني في وجدانه، بل يبقى ذلك رهينا بتذليل مجموعة من الصعاب و التحديات التي لا زالت تعترض المؤسسة التعليمية في هذا الإطار، و يمكن إيجازها فيما يلي:

    1) إشكالية تقاسم المسؤولية: و تتجلى أساسا في علاقة المدرسة بباقي مؤسسات التنشئة الاجتماعية، و خاصة منها الأسرة و وسائل الإعلام و الاتصال. فبالنظر إلى التضارب القائم أحيانا بين بعض القيم التي تنشرها تلك المؤسسات، يبرز التساؤل حول الدور الذي يتعين أن تقوم به المدرسة لتدبير هذه التعددية القيمية، و تزويد المتعلمين بالأدوات الفكرية و النقدية التي تمكنهم من الاختيار العقلاني.

    2) تنامي الهوة بين الخطاب و الممارسة: ففي مقابل تضخم الخطاب البيداغوجي الذي يتم إنتاجه حول القيم و الحقوق و الواجبات، نصطدم بمحدودية التجسيد الفعلي للقيم في السلوك و الممارسات، و نقف إزاء تراجع الانضباط لقواعد و أنظمة المهنة و الاخلال بأداء الواجبات سواء من طرف بعض المتعلمين أو بعض المدرسين.

    3) نقص الأدوات الكفيلة بتتبع الأثر: على مستوى بناء السلوك و الفعل و تقويم مؤشراته الإنجازية، خصوصا و أن تلمس نتائج التربية على القيم في السلوك اليومي للمتعلم (ة) يظل محدودا، و تحقيق أهدافه يندرج في مدى زمني بعيد.

    4) محدودية انخراط مختلف الشركاء: إن القول بضرورة انفتاح المدرسة على محيطها، لا يعني البتة بأنها معنية لوحدها بالانفتاح على الوسط الذي تتواجد فيه. لكن حري بهذا الوسط أيضا أن يمد يد العون إلى المدرسة و يحتضنها.و تجد هذه الفكرة حجيتها في كون أناس كثر يعتقدون بأن تكوين التلميذ / المواطن شأن خالص للمدرسة، و الحال أن الدراسات التربوية تؤكد بأن الأسرة و مؤسسات أخرى تعد طرفا رئيسيا ـ إلى جانب المدرسة ـ في تربية الأبناء على القيم، لذلك ينبغي تفعيل التواصل معها في إطار يطبعه الحوار و التعاون، لا الندية و المجابهة، لأن مهمة إعداد المواطن الصالح و المسؤول هي مسؤولية الجميع أفرادا و جماعات و مؤسسات من منطلق أن نجاح شعار " المدرسة للجميع " لا يستقيم إلا بالانخراط الواعي و الفعال من الجميع.

    خاتمة: تأسيسا على ما تقدم، يمكن القول إنه لا يختلف اثنان في كون المدرسة هي الأقدر على منح الأطفال جرعات كافية من القيم و أساسيات السلوك المدني، لكن في غياب انخراط الجميع، و نظرا لضبابية المشروع القيمي المجتمعي الذي يسمح بقياس مدى نجاح المدرسة في وظائفها الكيفية، يبقى تكوين تلميذ / مواطن له من المعارف و المهارات ما يؤهله لإدراك أن المواطنة لا تختزل في الانتماء إلى الوطن، و أن الالتزام بالواجبات ليس فيه أدنى انتقاص للحقوق ... يبقى موضع تشكيك و عدم ثقة في قدرة المدرسة على تحقيق هذه التحديات.

    بيد أن هذا لا يثنينا عن التفاؤل و التطلع إلى مغرب أفضل، يتم فيه الرهان على منظومة التربية و التكوين، و يتعبأ لأجله الجميع بغية تهيئة الأسباب الحقيقية لإعداد ناشئة مغربية حرة،مسؤولة و خلاقة.
    العلم ينورني و القوة تدفعني و الحماس يشجعني و النجاح هدفي
    ======
    لولم اكن مغربي * لاخترت ان اكون مغربيا
    ======
    هويتي هي قلمي ، وشخصيتي هي عملي
    ويبقى أي عمل مهما بذل فيه غير ناجح اذا لما يصاحبه توفيق من الله

  2. افتراضي

    موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية . :Mbravo:
    العلم ينورني و القوة تدفعني و الحماس يشجعني و النجاح هدفي
    ======
    لولم اكن مغربي * لاخترت ان اكون مغربيا
    ======
    هويتي هي قلمي ، وشخصيتي هي عملي
    ويبقى أي عمل مهما بذل فيه غير ناجح اذا لما يصاحبه توفيق من الله

  3. افتراضي

    موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .
    العلم ينورني و القوة تدفعني و الحماس يشجعني و النجاح هدفي
    ======
    لولم اكن مغربي * لاخترت ان اكون مغربيا
    ======
    هويتي هي قلمي ، وشخصيتي هي عملي
    ويبقى أي عمل مهما بذل فيه غير ناجح اذا لما يصاحبه توفيق من الله

المواضيع المتشابهه

  1. مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 18-03-23, 19:47
  2. مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 18-03-23, 19:34
  3. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-01-21, 22:42
  4. النوادي البيئة ودورها في ترسيخ السلوك البيئي السليم
    By ابومحمد4444 in forum Les élèves professeurs d’EPS CRMEF
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 24-07-13, 19:27
  5. الندوة الوطنية حول المدرسة والسلوك المدني
    By KUISA in forum منتدى امتحانات الكفاءة المهنية ( الامتحان المهني)EPS
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 05-09-11, 01:10

تعليمات المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •